قلاع تكتنفها أسوار

المدونات
   - 27 March, 2022
المشاركة

هل تصبح المنازل بلا أسوار؟

تنشأ الأحياء السكنية الجميلة والمنظمة عبر بناء مجموعات متقاربة من البيوت، والشوارع التي تتخللها، والحدائق التي تزينها، فضلا عن مباني الخدمات من متاجر ومؤسسات وغيرها. وتتناغم تلك المكونات في نسيج عمراني مثالي يبعث على الراحة والهدوء والأمان في نفوس سكان تلك الأحياء، ويلعب هذا التناغم دورا هاما في توضيح ملامح النظام العمراني للمدن السعودية. في الماضي، كانت العلاقات الاجتماعية أقوى وأعمق، وكان أساسها الانضباط والاحترام، وقد أسهم هذا في جعل الأحياء السكنية أكثر من مجرد بيوت يسكنها أشخاص؛ بل عائلة كبيرة أو مجتمع مترابط تسوده الراحة والهدوء والأمان.

لكن ومع مرور الزمن، بدأ هذا الشكل الاجتماعي للأحياء السكنية بالتضاؤل في ظل مستجدات اجتماعية وثقافية يمر بها العالم ككل، ويتأثر بها بالطبع مجتمعنا المحلي. كما أدت عملية التطور الحضري المتسارع في العقود السابقة إلى إحداث خلل بتوازن توزيع السكان في مدن وقرى المملكة، فأضحى غالبية السكان يتمركزون في المدن الرئيسية حيث الفرص الوظيفية والخدمات العامة. وقد أحدث هذا تطورا هائلا في أنماط الحياة وأساليب العيش المعاصرة، فمدينة الرياض على سبيل المثال تحولت من مدينة وادعة بسيطة لا يتعدى قاطنوها ثلاثمائة ألف نسمة، إلى مدينة يعيش فيها ربع سكان المملكة، أي ما يقارب ثمانية ملايين نسمة وفقاً لأحدث استطلاعات الهيئة العامة للإحصاء.

لم يعثر المصممون الجدد على صيغة فعالة تربط بين سكان المنازل والوسط الذي يعيشون فيه، وقد جعل هذا الأمر منازلنا تبدو وكأنها قلاع منعزلة تحرسها الأسوار العالية؛ مما أثر سلباً على معنويات السكان، وعلى أجواء الأحياء وبهجتها. فالشوارع تبدو وكأنها مهجورة وخالية من الحياة، لا ترى فيها سوى حركة السيارات على امتداد سلسلة لا تنتهي من الأسوار الخارجية! وهنا يطرح السؤال نفسه: هل يكمن الحل لهذه المشكلة بأن يدرج المصممون والمهندسون ضمن مخططاتهم العمرانية مركزا اجتماعيا داخل كل حي ليكون ملتقى السكان ومنبع الأنشطة الاجتماعية؟ ربما يكون هذا هو الحل بالفعل، فمركز اجتماعي كهذا قد يعزز دور المسجد، ويقترح المواقع المثالية لإنشاء المتاجر ومباني الخدمات ومواقع التنزه والترفيه، وهو ما سيؤدي في نهاية الأمر إلى تشجيع سكان الحي بمختلف فئاتهم واهتماماتهم للاندماج والتواصل مع بعضهم البعض سعيا لنمط حياة أكثر دفئا وقربا.

وتعد مبادرة السعودية الخضراء التي أعلنها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان داعما أساسيا لكافة توجهات تعزيز التقارب والتواصل ما بين أفراد المجتمع المحلي. فالمبادرة تهدف إلى تأكيد انخراط المملكة في النهج العالمي الجديد الذي يتجه نحو بذل المزيد من الجهود لحماية البيئة وتقليل التلوث وزيادة المساحات الخضراء، ولا يتم هذا إلا بالتواصل الراسخ والقوي بين أفراد المجتمع بدعم من الأجهزة الحكومية، وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمير.

ولا تهدف مبادرة السعودية الخضراء إلى رفع مستوى جودة الحياة وحماية الأجيال القادمة في المملكة العربية السعودية فحسب، بل سيكون لها أثر أيضاً في إلهام المهندسين والمصممين المعماريين بالكثير من أفكار التطوير العقاري لتعزيز الثقافة المحلية من خلال التخطيط الأمثل للمنازل والأحياء السكنية. ومن هذه الأفكار تشجيع أصحاب البيوت على الاستغناء عن الأسوار واستبدالها بسياج أخضر مبهج قوامه الأشجار والنباتات الخضراء الوارفة. وقد تناولت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية هذا التغير في أنماط التفكير لدى الشباب السعودي، والذي يبدو أكثر انفتاحا ومرونة بالمقارنة مع الأجيال الماضية. وقد ارتأت المؤسسات الحكومية الكبرى بأن تكون قدوة للمواطنين في هذا الشأن، حيث شرعت بإزالة أسوارها الإسمنتية وفتح باحاتها الخضراء أمام المواطنين. إن مبادرة السعودية الخضراء هي التي ستقود الحقبة البيئية في المملكة العربية السعودية من الآن فصاعدا.
الأخبار ذات الصلة
المدونات
 - 25 April, 2022
الجودة لم تعد سراً
المدونات
 - 27 September, 2021
مستقبل العقارات التجارية ودور المطورين العقاريين
المدونات
 - 23 May, 2022
أثر اقتصادي...وبيئة استثمارية واعدة